لينكس والمصادر المفتوحة
آفاق التعاون بين المجموعات التخصصية اللا ربحية العربية ومعوقاتها
حامد السحلي
في العنوان تعمدت أن أقول المجموعات وليس المؤسسات ففي الحقيقة معظم المجموعات التعاونية اللا ربحية تسعى لأن تصبح مؤسسات ولكنها (وهذه وجهة نظري) تفتقر إلى العمل المؤسسي الحقيقي
أما المؤسسات التي هي غالبا حكومية أو تابعة للحكومة فهي ذات عطالة هائلة تجعل عملها في المجال التقني تقريبا عديم الجدوى
في الحقيقة خطر في بالي الكتابة في هذا الموضوع على خلفية محاولتي التنسيق بين أرابايز... الذي يسعى ليكون حاضنة لتطوير وتعريب البرمجيات مفتوحة المصدر خصوصا لينكس... والجمعية الدولية للمترجمين العرب التي تأسست منذ ثلاث سنوات وهي تضم عددا جيدا من اللغويين الفاعلين
وكان الهدف من التنسيق بناء آلية لتطوير معجم تقني عربي وتنظيم النقاشات حول تعريب المصطلحات في آلية تراكمية تستخدم ويكي على غرار ويكاموس وبذلك نتجاوز عجز التقنيين عن حل بعض المشاكل اللغوية وبناء أرضية مشتركة للتفاهم بين صنفين من الاختصاصيين مازالوا بعيدين عن بعضهم رغم الحاجة الماسة لتعاونهم
مع الأمل في توسيع التجربة إلى تعاون أشمل في بناء قاموس اشتقاقي وتطوير بنى رقمية ملائمة لاحتياجات العربية
وطوال محاولاتي كان يقفز إلى ذهني عنوان الكتاب الذي لم أكمل قراءته حتى الآن رغم تكرار المحاولة وهو "رجال من المريخ ونساء من الزهرة" ورغم أن الموضوع مختلف إلا أنني كنت أشعر أن المشكلة نفسها... وهي كيف يمكننا الوصول إلى لغة واحدة للحوار
بالنسبة لأرابايز كانت المشكلة تتمحور حول إلى أي مدى يستوعب الطرف الآخر فكرة المصدر المفتوح وآليات هذا المجتمع وما هو موقفهم منها؟
بالنسبة للغويين كان هناك مشكلة أولا في آليات التواصل عبر انترنت فهم اعتادوا استخدام المنتديات أو أسلوب انترنت للحوار بطريقة السؤال والجواب
بالتالي كان هناك تساؤل ما هو الويكي ولماذا ولم يكن هناك وضوح في الحاجة لآلية عمل تراكمية تنتج في النهاية شيئا واضحا سهلا كما لو كان مؤلفا من قبل شخص واحد
هذا قاد أيضا إلى تشكك في مصداقية هذا المنتج الجماعي وهو ما بحثته باستفاضة في مقالتي السابقة حول مشكلة المصداقية التاريخية في تراخيص المصدر المفتوح... ولكن النقطة هنا هي أن ضعف المصداقية التاريخية في الأمور ذات الخصوصية أو التي تشكل محور خلاف لا يعني أن مصداقية موسوعة كويكيبيديا من الناحية العلمية في الأمور التي لا تشكل خلافا (وهي معظم الأمور العلمية) ضعيفة أو حتى محل شك
وهذه النقطة محورية في النظر إلى مجتمع المصادر المفتوحة وهي أن هذا المجتمع قدم دليلا على مصداقية عالية جدا وقدرا لا يستهان به من الرقابة وتصحيح الخطأ ولينكس وكافة البرمجيات الأخرى التي تقود انترنت ووسائل الاتصالات أكبر دليل على ذلك
إذا تجاوزنا هذه الإشكالات وتكونت إرادة التعاون تظهر مشكلة حقوق الملكية أو ما يسميه العاملون في إطار المصدر المفتوح الحاجة إلى الحرية التي تكافئ في رؤيتهم المصداقية وهي بالنسبة لهؤلاء خط أحمر لا يمكن التنازل عنه خصوصا في المنطقة العربية
بالمقابل فإن حقوق الملكية ((رغم أنها حبر على ورق في معظم المناطق العربية)) فإن معظم هؤلاء يتمسكون بها بشدة ولا يتصورون التخلي عنها سواء كأشخاص أو كشخصيات اعتبارية
في نفس الوقت الذي يتذمر فيه هؤلاء من الضعف اللغوي للتقنيات الحديثة بل والعجز أحيانا أو امتلائها بالأخطاء والسؤال هو كيف يمكن تطوير هذه التقنيات لاحتواء العربية إذا لم ينطو التطوير تحت مظلة البرمجيات الحرة؟
كيف أستطيع أنا أو أي شخص آخر اعتماد بديل عن الجهد الذي بذله تيم بوكوالتر في دراسة جذور العربية بتمويل وقيادة من غوغل وهو المصدر الوحيد الواضح والمتاح لأنه مفتوح المصدر
أنا أدرك نقص هذا الجهد والأخطاء التي يحملها ولكن بالمقابل كل ما هو مماثل لا يمكن الإطلاع عليه وقد أنجزته المؤسسة سواء عامة أو خاصة وكأنها هي القادرة على إكمال المشروع إلى نهايته وعندما يصطدم المشروع بعقبات فهو ببساطة يُطوى في الأدراج
لم تقم غوغل بدعم مشروع المدقق الإملائي المفتوح حبا بالعربية ولكن ببساطة لأن مصالحهم التي أصبحوا واعين أنها لا تنفصل عن مصالح مستخدميهم تتطلب هذا المدقق وربما وهو المرجح توقعوا تفاعلا عربيا قويا يستطيع المضي قدما بالمشروع ولكنهم فوجئوا بالعكس وهو تذمر المختصين العرب من عدم الدقة والأخطاء والنقص بدون أن يتقدم بعض هؤلاء لدعم هذا المشروع الذي هو في النهاية ليس ملكا لأحد.. بالتالي ارتأت غوغل بعد سنوات إيقاف دعمها للمشروع ولكنه يبقى متاحا لمن أراد المتابعة بخلاف كل المشروعات العربية المماثلة التي لا نعرف عن بنيتها إلا القليل باستثناء ذلك الذي ضمنته مايكروسوفت في الأوفيس والمليء بالنقص والخطأ.
من هنا يبدو إصرار المساهمين في أرابايز على مفهوم المصدر المفتوح مبررا رغم الخطى الوئيدة جدا
جانب آخر يبدو واضحا في قراءة وضع المجموعات اللا ربحية العاملة في إطار العربية وهو التعدد والانقسامات ورغم أن هذه بحد ذاتها أمر محمود إلا أنها وفي ظل العجز النسبي الشديد في الجهود المطلوبة ليس للحاق بغيرنا بل للمحافظة على ثبات حجم الهوة بيننا وبين الآخرين... فإن هذا التشتت يبدو من وجهة نظري معيقا ولا يساعد في إنجاز عمل تراكمي بحيث نبقى باستمرار بحاجة للآخر ليدرس المشاكل ويقدم الحلول المناسبة لها من وجهة نظره طبعا وتبقى ملاءمتها الحقيقية لثقافتنا ولغتنا تبعا لتفهم هذا الآخر وكرمه
ما نحتاجه حقيقة هو قراءة موضوعية من جانب كل فرد عامل لمصلحة هذه الأمة "ولا أشكك في إخلاص معظم هؤلاء" بحيث تستوعب هذه القراءة ما أمكن رؤى الأطراف المختلفة لخلق أرضية ولغة واحدة للحوار بشأن ما يمكن أن نصنعه كمجموع لا كأفراد أو حتى أفرادا اعتباريين طالما أننا لا نملك مؤسسات كبرى... ولا يبدو في الأفق أننا سنملك هذه المؤسسات التي إن وجدت فستعمل من منطلق الربح والخسارة في الإطار العالمي وبالتالي ستبقى مصلحة العربية والناطقين بها في آخر سلم الأولويات
أتمنى أن أكون قد سلطت الضوء من جانب معين على المشكلة ولا أستطيع أن أدعي أنني قدمت رؤية ولو بسيطة للحل
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين